منظمة إيروورز: مئات المدنيين في غزة فقدوا حياتهم بغارات تباهى الجيش الإسرائيلي بدقتها

حجم خط المقالة

منظمة إيروورز: مئات المدنيين في غزة فقدوا حياتهم بغارات تباهى الجيش الإسرائيلي بدقتها 

نشر الجيش الإسرائيلي في صفحاته الرسمية وصفحات القوات الجوية، العام الماضي، مئات مقاطع الفيديو التي "توثق انتصاراته"، بحسب ما يصفها في بعض الأحيان. تصور تلك المشاهد غارات جوية شنّها الاحتلال على مختلف أنحاء قطاع غزة، التي أودت بحياة مئات الضحايا المدنيين، وفقًا لتحقيق نشرته منظمة إيروورز (Airwars)، المعنية بالتحقيق في أذية المدنيين خلال الصراعات، بالتعاون مع قناة سكاي نيوز البريطانية.  


بلغ عدد مقاطع الفيديو التي نشرها الجيش الإسرائيلي 1219 مقطعًا، لغارات جوية شنها الاحتلال بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 و31 أغسطس/آب 2024، وهي الفترة التي تمت دراستها في التحقيق. ونصف تلك المقاطع تقريبًا نُشر خلال الشهر الأول من الحرب فقط.  


وبحسب تحليل المقاطع، كانت مرفقة بترجمات وأوصاف نصيّة تُشير إلى أنها لاستهداف عناصر ومقار لحركة حماس، حتى بلغ الأمر أن ادعت إسرائيل في أحد المقاطع استهداف أكثر من 250 عنصرًا من مقاتلي حماس، ليكشف تحقيق إيروورز أن الغارة استهدفت برج التاج (عمارة التاج) السكني وسط القطاع، دون إنذارٍ بالإخلاء.  


معظم مقاطع الفيديو التي نشرها الجيش الإسرائيلي كانت ذات جودة منخفضة وبالأبيض والأسود، وبالتالي كان من الصعب رؤية الأشخاص على الأرض، كما أن معظم تلك المقاطع تنتهي لحظة الانفجار، فلا تبدو فيها الوفيات أو النتائج المباشرة للغارة واضحة. وبالطبع لم يعلن الجيش الإسرائيلي عن مواقع الغارات في تلك المقاطع واكتفى بذكر المدينة أو الحي، ولم تكن المعالم واضحة.  


استخدم فريق التحقيقات في إيروورز بيانات تحديد الموقع الجغرافي لمطابقة 17 ضربة من الضربات الإسرائيلية مع حوادث محددة تم الإبلاغ فيها عن مقتل أو إصابة مدنيين فلسطينيين. إذ يتضمن التحقيق الذي صدر حديثًا، تقارير مفصلة عن كل من الضربات السبع عشرة، التي أسفرت وحدها عن مقتل 448 مدنيًا.  


في هذا الصدد، قال ألونسو جورميندي، زميل حقوق الإنسان وخبير الحرب في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، إن عمل منظمة إيروورز "يظهر بوضوح كيف أن ممارسات الاستهداف الإسرائيلية أقل بكثير من المعايير القانونية المقبولة".  


الهجمات المُفصلة في التحقيق هي تلك التي تمكنت إيروورز من توثيقها، إذ إن العديد من مقاطع الفيديو التي نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تقدم تفاصيل كافية للتحليل، بل تمكنت المنظمة من تحديد الموقع في 72 من أصل 1219 ضربة فقط، منها 17 ضربة تطابقت مع حوادث موثقة لسقوط ضحايا مدنيين.  


وقالت المنظمة في مقطع فيديو يلخص نتائج تحقيقها إنه حتى الضربات الموثقة البالغ عددها 1219، ليست سوى "جزء يسير" من العدد الإجمالي للضربات الإسرائيلية على غزة في العام الماضي و"إنها الضربات التي اختارها الجيش للإفصاح عنها، تلك التي أرادوا للعالم أن يراها. ولكن من الذي قُتل فيها بالفعل؟".  


تقدم نتائج إيروورز إجابات مأساوية على ذلك السؤال. ومن بين الهجمات السبع عشرة التي فحصتها مجموعة المراقبة بالتفصيل، غارة على مبنى سكني من سبعة طوابق يسمى "برج التاج"، يقع في حي راقٍ نسبيًا وسط مدينة غزة في 25 أكتوبر 2023. وأسفرت الغارة، التي نشر مشاهدها الجيش الإسرائيلي، عبر صفحاته الرسمية على موقع إكس بعد يومين، عن مقتل 101 مدني، من بينهم 44 امرأة و37 طفلًا.  


فقدت مروة جرادة، وهي امرأة فلسطينية تبلغ من العمر 25 عامًا وتعيش في الولايات المتحدة، ما لا يقل عن 16 فردًا من أفراد أسرتها في تلك الغارة، بما في ذلك والداها وأخواتها. وقالت جرادة لقناة سكاي نيوز (التي شاركت في تحقيق إيروورز) "كانت عائلتي كل شيء بالنسبة لي. إنهم حياتي. وفقدت كل من أحبهم". وأضافت جرادة، وقريب آخر تحدّثت إليه القناة، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يصدر تحذيرًا قبل الغارة، بخلاف ما يدّعي فعله عادة.  


وقال القريب هشام أحمد صالح لفريق التحقيق إنه "لو كان هناك أي [تحذير] كما ذكرت، لكانوا قد اتخذوا الاحتياطات، وكانوا قد ارتدوا ملابسهم وخرجوا، لكن لا، لم يتلقوا أي معلومات على الإطلاق". ولم يستجب جيش الاحتلال الإسرائيلي لأسئلة محددة من سكاي نيوز حول ما إذا كان قد تم إصدار تحذير، لكنه رفض ادعاءات تحقيق إيروورز بشكل عام.  


وقال الجيش الإسرائيلي في بيان له، إن تركيز منظمة إيروورز على إنجاز هذا التحقيق يعدّ "أمرًا مقلقًا للغاية"، كما أنه يقوم على "ادّعاءاتٍ لا أساس لها" ويتجاهل "حقيقة أن حماس كثّفت وجودها بين المدنيين وفي الأحياء السكنية".  


رسائل متعددة من خلال المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة


وقال خبراء قانونيون إن عدم تحذير المدنيين قبل هجوم برج التاج قد يرقى إلى انتهاك للقانون الدولي، خاصة بالنظر إلى السبب المُعلن من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي للهجوم: تدمير نفق عسكري لحماس. وقالت ديربلا مينوغ، المحامية في شبكة العمل القانوني العالمية (GLAN)، لفريق التحقيق، "النفق لن يراوح مكانه حتى بعد هذا الهجوم. لا يوجد سبب على الإطلاق لعدم إخلاء هذا المبنى قبل شن هذا الهجوم". وأضافت مينوغ: "لذا أعتقد أنه بنشر هذا الفيديو، لم تترك إسرائيل لنفسها أي تبرير فيما يتعلق بالادعاء بأن هذا كان هجومًا قانونيًا".  


يقول الخبراء، أيضًا، إن إسرائيل لديها جمهور متعدد في الاعتبار عند نشر مقاطع فيديو الضربات. إذ قال أندرياس كريغ، خبير الدفاع والشرق الأوسط في كلية كينجز كوليدج لندن، لفريق التحقيق "السردية الأولى التي يريدون دفعها، تتوجه بشكل أساسي نحو الجمهور المحلي، أي الشعب الإسرائيلي، وهي 'نحن نفوز ونحقق المكاسب'".  


"أما الرسالة الثانية فهي رسالة ردع، وهي موجهة إلى حماس وإيران وحزب الله.. بمعنى أنه إذا هاجمتمونا، فسوف يحدث لكم هذا"، حسبما قال كريغ. أما الجمهور الثالث الذي استشهد به وخبراء آخرون فهو المجتمع الدولي، الذي ترغب إسرائيل في إقناعه بأن هجماتها موجَّهة. ومع ذلك، يقول الخبير: "إن جميع اللقطات والمقاطع التي ينشرها الجيش الإسرائيلي تشير إلى عكس ذلك".  


لاحظ محققو إيروورز انخفاض عدد مقاطع الفيديو التي نشرتها القوات الجوية الإسرائيلية بشكل كبير في العام الماضي، من أكثر من 500 مقطع في شهر أكتوبر 2023 فقط، إلى بضعة مشاهد في يناير/كانون الثاني 2024، وهو الشهر الذي أعلنت فيه جنوب أفريقيا رفع دعوتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وهو ما بنت عليه منظمة إيروورز استنتاجها بأنه قد يكون ذلك نتيجة لمخاوف إسرائيل من استخدام مقاطع الفيديو ضدها في المحكمة.  


قالت مينوغ، محامية شبكة العمل القانوني العالمية، إن مقاطع الفيديو يمكن استخدامها لمحاسبة صناع القرار الإسرائيليين، وأضافت "من المؤكد والمطلق أن هذه المقاطع يمكن استخدامها كدليل جنائي ضد المتهمين الإسرائيليين، لأنها تُظهر الكثير [من جرائم الحرب]"

نشر الجيش الإسرائيلي في صفحاته الرسمية وصفحات القوات الجوية، العام الماضي، مئات مقاطع الفيديو التي "توثق انتصاراته"، بحسب ما يصفها في بعض الأحيان. تصور تلك المشاهد غارات جوية شنّها الاحتلال على مختلف أنحاء قطاع غزة، التي أودت بحياة مئات الضحايا المدنيين، وفقًا لتحقيق نشرته منظمة إيروورز (Airwars)، المعنية بالتحقيق في أذية المدنيين خلال الصراعات، بالتعاون مع قناة سكاي نيوز البريطانية.