كيف تُستغل قضية استهلاك أهل غزة للمنتجات المقاطعة في تقويض حملات مقاطعتها؟

حجم خط المقالة

كيف تُستغل قضية استهلاك أهل غزة للمنتجات المقاطعة في تقويض حملات مقاطعتها؟

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، تبرز حملة المقاطعة العالمية كأحد أهم الأساليب للضغط على الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.

ورغم أن الحملة حظيت بتفاعلٍ واسع على مستوى العالم، إلا أنّ الواقع في قطاع غزة يفرض تحديات كبيرة على سكانه الذين لا يملكون رفاهية اختيار البدائل. ففي الوقت الذي تتزايد فيه الأصوات المطالبة بمقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل، يضطر سكان غزة لاستهلاك ما هو متاح في الأسواق حتى وإن كان من المنتجات المقاطعة.

وفي هذا السياق، تنشط بعض الحسابات على موقع التواصل الاجتماعي إكس، لتوجه انتقادات إلى سكان القطاع، تتهمهم فيها بعدم الالتزام بحملات المقاطعة وتوجه أسئلة استنكارية حول جدواها في الوقت الذي لا يلتزم به سكان قطاع غزة أنفسهم بها.

التكرار والسخرية: أساليب رقمية لتقويض حملات المقاطعة

من خلال تحليل بعض هذه الحسابات، يمكن ملاحظة اعتمادها استراتيجية التكرار، إذ تتعمد نشر مقاطع فيديو تُظهر بعض سكان غزة وهم يتناولون منتجات مقاطعة باستمرار، مثل مشروب "بيبسي" و"نوتيلا".

إن التكرار المستمر لهذه المقاطع والمنشورات يجعلها تبدو كحقيقة راسخة لدى المتابعين، وتشكيل انطباع مغلوط لديهم حول جدوى حملات المقاطعة، خاصةً عندما تُظهر هذه المقاطع بعض سكان غزة وهم غير ملتزمين بها.

إضافةً إلى التكرار، تستخدم تلك الحسابات أسلوب السخرية في التعليقات والعبارات المصاحبة للصور ومقاطع الفيديو. ففي أحد المنشورات، علّق حساب “قريش” بالقول "المقاطعة من أجل أهل غزة وأهل غزة غير مقاطعين"، مُرفق برمز تعبيري ساخر.

يهدف أسلوب السخرية الذي تستخدمه هذه الحسابات إلى تقويض صدقية حملة المقاطعة والتركيز على التناقض الظاهر بين دعوات المقاطعة التي يُنادى بها عالميًا، والواقع الذي يعيشه سكان القطاع.

لكن السخرية لا تقتصر على الغزيين فقط، بل تُوجه أيضًا إلى شعوب عربية أخرى ملتزمة بحملات المقاطعة، مثل المصريين والأردنيين.

على سبيل المثال، نشر “حساب المملكة المصرية كيميت” تعليقات ساخرة عن المصريين الذين قرروا مقاطعة منتجات مثل "بيبسي" و"ماكدونالدز"، بسبب مقاطعتهم من أجل قطاع غزة. هذه التعليقات لا تقتصر على السخرية من المصريين، بل تسعى أيضًا لتقليل أهمية حملات المقاطعة في بعض الدول العربية، خاصةً في الوقت الذي تحقّق فيه هذه الحملات نجاحات كبيرة.

وفي منشور آخر لنفس الحساب، سخر أيضًا من التزام الأردنيين بحملات المقاطعة، في حين أن سكان القطاع غير ملتزمين بها.

تجاهل السياق الإنساني في غزة

تغفل هذه المنشورات عن السياق الإنساني الذي يعيشه سكان القطاع. إذ إن استمرارهم في استهلاك هذه المنتجات ليس خيارًا، بل واقع فُرض عليهم، نتيجة الحصار الإسرائيلي منذ بداية الحرب، إلى جانب منع وعرقلة الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

وفي هذا الصدد، حذرت لجان ومنظمات دولية مؤخرًا، من احتمال وقوع مجاعة في القطاع.

وفي الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، أصدرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، إنذارًا من احتمال وقوع مجاعة وشيكة في شمال القطاع، محذرةً من أن الوضع يتدهور بسرعة بسبب نقص المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية.

من جانبها، ذكرت اللجنة الدولية للإنقاذ أن المساعدات الإنسانية في غزة تراجعت بنسبة تزيد على 80 بالمئة، الأمر الذي أدى إلى تضاعف أعداد المواطنين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل كارثي.

كما طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بإعلان المجاعة رسميًا في عموم قطاع غزة، وخاصة في شماله، بعد مرور أكثر من 50 يومًا على منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال المساعدات والمواد الأساسية إلى الشمال.

إسرائيل تعرقل وصول المساعدات لسكان غزة

يمارس الاحتلال الإسرائيلي سياسة تجويع ممنهجة على سكان القطاع، تتمثل بعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية، إلى جانب تورطه بتسهيل نهبها من قبل قطاع الطرق.

في السياق، قال تحالف يضم ثماني منظمات إغاثة دولية، في بيان، إن إسرائيل لم تتجاوب مع مطالب إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مضيفًا أن إسرائيل اتخذت إجراءات ساهمت في تدهور الوضع الميداني بشكل كبير، خاصةً في شماله.

بالتأكيد، سأكمل المقالة:

وأضاف البيان أن إسرائيل تواصل منع إدخال المواد الغذائية والسلع الأساسية إلى قطاع غزة، كما تعمل على عرقلة جهود الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية.

وبحسب البيانات التي أصدرها برنامج الأغذية العالمي، فإن عدد الشاحنات التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى القطاع منذ بداية الحرب لا يتجاوز 5 بالمئة من عدد الشاحنات التي كانت تدخل يوميًا قبل اندلاع النزاع.

واقع أهل غزة مقابل حملات المقاطعة

مع كل هذه المعطيات، يصبح من الواضح أن اتهام سكان غزة بعدم الالتزام بحملات المقاطعة ينطوي على تجاهل متعمد للسياق الذي يعيشونه.

ففي ظل الحصار الخانق ونقص الخيارات، يتناول أهل القطاع ما هو متوفر لضمان بقائهم على قيد الحياة، وليس بسبب عدم إدراكهم لأهمية المقاطعة أو تأثيرها.

ومن هذا المنطلق، يرى ناشطون أن هذه الهجمات الرقمية تهدف إلى تقويض جهود حملات المقاطعة العالمية من خلال تقديم ذرائع واهية لتبرير استمرار استهلاك المنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.

التضامن مع غزة يتجاوز الاستهلاك

ختامًا، يؤكد ناشطون ومحللون أن التضامن مع سكان قطاع غزة لا يمكن اختزاله في خياراتهم الاستهلاكية، بل يجب أن يُنظر إلى الواقع الإنساني المرير الذي يعيشونه، والذي يجعل من المستحيل عليهم التمسك بحملات المقاطعة.

ويناشد الناشطون الجمهور العربي والعالمي الاستمرار في دعم حملات المقاطعة والوقوف مع الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، بعيدًا عن حملات التشويه الرقمية التي تستغل الظروف القاسية التي يمر بها سكان غزة لتحقيق أهداف سياسية مضللة.


كيف تُستغل قضية استهلاك أهل غزة للمنتجات المقاطعة في تقويض حملات مقاطعتها؟  مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، تبرز حملة المقاطعة العالمية كأحد أهم الأساليب للضغط على الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.  ورغم أن الحملة حظيت بتفاعلٍ واسع على مستوى العالم، إلا أنّ الواقع في قطاع غزة يفرض تحديات كبيرة على سكانه الذين لا يملكون رفاهية اختيار البدائل. ففي الوقت الذي تتزايد فيه الأصوات المطالبة بمقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل، يضطر سكان غزة لاستهلاك ما هو متاح في الأسواق حتى وإن كان من المنتجات المقاطعة.  وفي هذا السياق، تنشط بعض الحسابات على موقع التواصل الاجتماعي إكس، لتوجه انتقادات إلى سكان القطاع، تتهمهم فيها بعدم الالتزام بحملات المقاطعة وتوجه أسئلة استنكارية حول جدواها في الوقت الذي لا يلتزم به سكان قطاع غزة أنفسهم بها.  التكرار والسخرية: أساليب رقمية لتقويض حملات المقاطعة  من خلال تحليل بعض هذه الحسابات، يمكن ملاحظة اعتمادها استراتيجية التكرار، إذ تتعمد نشر مقاطع فيديو تُظهر بعض سكان غزة وهم يتناولون منتجات مقاطعة باستمرار، مثل مشروب "بيبسي" و"نوتيلا".  إن التكرار المستمر لهذه المقاطع والمنشورات يجعلها تبدو كحقيقة راسخة لدى المتابعين، وتشكيل انطباع مغلوط لديهم حول جدوى حملات المقاطعة، خاصةً عندما تُظهر هذه المقاطع بعض سكان غزة وهم غير ملتزمين بها.  إضافةً إلى التكرار، تستخدم تلك الحسابات أسلوب السخرية في التعليقات والعبارات المصاحبة للصور ومقاطع الفيديو. ففي أحد المنشورات، علّق حساب “قريش” بالقول "المقاطعة من أجل أهل غزة وأهل غزة غير مقاطعين"، مُرفق برمز تعبيري ساخر.  يهدف أسلوب السخرية الذي تستخدمه هذه الحسابات إلى تقويض صدقية حملة المقاطعة والتركيز على التناقض الظاهر بين دعوات المقاطعة التي يُنادى بها عالميًا، والواقع الذي يعيشه سكان القطاع.  لكن السخرية لا تقتصر على الغزيين فقط، بل تُوجه أيضًا إلى شعوب عربية أخرى ملتزمة بحملات المقاطعة، مثل المصريين والأردنيين.  على سبيل المثال، نشر “حساب المملكة المصرية كيميت” تعليقات ساخرة عن المصريين الذين قرروا مقاطعة منتجات مثل "بيبسي" و"ماكدونالدز"، بسبب مقاطعتهم من أجل قطاع غزة. هذه التعليقات لا تقتصر على السخرية من المصريين، بل تسعى أيضًا لتقليل أهمية حملات المقاطعة في بعض الدول العربية، خاصةً في الوقت الذي تحقّق فيه هذه الحملات نجاحات كبيرة.  وفي منشور آخر لنفس الحساب، سخر أيضًا من التزام الأردنيين بحملات المقاطعة، في حين أن سكان القطاع غير ملتزمين بها.  تجاهل السياق الإنساني في غزة  تغفل هذه المنشورات عن السياق الإنساني الذي يعيشه سكان القطاع. إذ إن استمرارهم في استهلاك هذه المنتجات ليس خيارًا، بل واقع فُرض عليهم، نتيجة الحصار الإسرائيلي منذ بداية الحرب، إلى جانب منع وعرقلة الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.  وفي هذا الصدد، حذرت لجان ومنظمات دولية مؤخرًا، من احتمال وقوع مجاعة في القطاع.  وفي الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، أصدرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، إنذارًا من احتمال وقوع مجاعة وشيكة في شمال القطاع، محذرةً من أن الوضع يتدهور بسرعة بسبب نقص المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية.  من جانبها، ذكرت اللجنة الدولية للإنقاذ أن المساعدات الإنسانية في غزة تراجعت بنسبة تزيد على 80 بالمئة، الأمر الذي أدى إلى تضاعف أعداد المواطنين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل كارثي.  كما طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بإعلان المجاعة رسميًا في عموم قطاع غزة، وخاصة في شماله، بعد مرور أكثر من 50 يومًا على منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال المساعدات والمواد الأساسية إلى الشمال.  إسرائيل تعرقل وصول المساعدات لسكان غزة  يمارس الاحتلال الإسرائيلي سياسة تجويع ممنهجة على سكان القطاع، تتمثل بعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية، إلى جانب تورطه بتسهيل نهبها من قبل قطاع الطرق.  في السياق، قال تحالف يضم ثماني منظمات إغاثة دولية، في بيان، إن إسرائيل لم تتجاوب مع مطالب إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مضيفًا أن إسرائيل اتخذت إجراءات ساهمت في تدهور الوضع الميداني بشكل كبير، خاصةً في شماله.  بالتأكيد، سأكمل المقالة:  وأضاف البيان أن إسرائيل تواصل منع إدخال المواد الغذائية والسلع الأساسية إلى قطاع غزة، كما تعمل على عرقلة جهود الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية.  وبحسب البيانات التي أصدرها برنامج الأغذية العالمي، فإن عدد الشاحنات التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى القطاع منذ بداية الحرب لا يتجاوز 5 بالمئة من عدد الشاحنات التي كانت تدخل يوميًا قبل اندلاع النزاع.  واقع أهل غزة مقابل حملات المقاطعة  مع كل هذه المعطيات، يصبح من الواضح أن اتهام سكان غزة بعدم الالتزام بحملات المقاطعة ينطوي على تجاهل متعمد للسياق الذي يعيشونه.  ففي ظل الحصار الخانق ونقص الخيارات، يتناول أهل القطاع ما هو متوفر لضمان بقائهم على قيد الحياة، وليس بسبب عدم إدراكهم لأهمية المقاطعة أو تأثيرها.  ومن هذا المنطلق، يرى ناشطون أن هذه الهجمات الرقمية تهدف إلى تقويض جهود حملات المقاطعة العالمية من خلال تقديم ذرائع واهية لتبرير استمرار استهلاك المنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.  التضامن مع غزة يتجاوز الاستهلاك  ختامًا، يؤكد ناشطون ومحللون أن التضامن مع سكان قطاع غزة لا يمكن اختزاله في خياراتهم الاستهلاكية، بل يجب أن يُنظر إلى الواقع الإنساني المرير الذي يعيشونه، والذي يجعل من المستحيل عليهم التمسك بحملات المقاطعة.  ويناشد الناشطون الجمهور العربي والعالمي الاستمرار في دعم حملات المقاطعة والوقوف مع الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، بعيدًا عن حملات التشويه الرقمية التي تستغل الظروف القاسية التي يمر بها سكان غزة لتحقيق أهداف سياسية مضللة.